السمات الخَمس للشخصية (2): تعميق الفهم وتحليل السلوك

BY: Administrator

مقدّمة وتمهيد

استكمالًا للمَقَال السابق، ولأهمّية الموضوع على مستوى فهم النفس والشخصية وإطلاق مُمكّناتها، سأستعرض في هذا المقال تفاصيل أكثر على مستوى كلّ سمة من سمات الشخصية، ومن ثمّ علاقة نموذج السمات الخَمس الكُبرى ببعض التصرّفات والاستجابات السلوكية والانفعالات النفسية، وأعرض في الجزء الأخير من المقال ما اعتقد أنّه مُهِم جدًّا، من خطوات عملية وأدوات إجرائية يُمكن للقارئ الاستفادة منها على مستوى حياته اليومية في تحسين ما يزعجه أو يُزعِج مَن حوله من قصور ذاتي وتصرّفات انفعالية أو استجابات مُؤذية، وممّا يُعينه على إطلاق مُمكنّات سماته وزيادة مناعته النفسية، ورفع مستوى الأداء السلوكيّ والانفعاليّ.


السمات الخمس بتفصيل أكبر: العناصر الفرعية للسمات الكُبرى
يُعدّ نموذج السمات الخَمس للشخصية الذي صاغه فريق بحثيّ ضخم ترأّسه باحثان مشهوران كوستا ومكّاراي (Costa & McCrae 1990).. أقول، يُعدّ أحد أهمّ نماذج تحليل الشخصية في علم النفس الحديث، ومتجاوزًا العديد من النماذج البسيطة والاختزالية والشعبية والشائعة، فإنّ ميزة نموذج السمات الخَمس الكُبرى للشخصية أنّه يملك قُدرة أكبر على التنبّؤ بالسلوكيات، ولديه ديمومة على مدى المراحل العُمرية (بانزياحات طفيفة)، ولأنّه مُدعّم بعدد ضخم من الدراسات الكمّية والكيفية، وأخيرًا لأنّه مَرِن ومَقيس وبالإمكان توظيفه في سياقات مختلفة.
السّمات الخَمس الكُبرى للشخصية، يُمكِن اختصارها لتسهيل حفظها بالاختصار الآتي OCEAN.. بحيث أنّ المقياس الأوّل يُمثّل مُعامل الانفتاحية (O) Openness ويُمثّل المقياس الثاني مُعامل الانضباطية (C) Conscientiousness ويُمثّل المُعامل الثالث مقياس الانبساطية (E) Extraversion ويُمثّل المُعامل الرابع مقياس التوافقية (A) Agreeableness ويُمثّل المقياس الخامس مُعامِل القلق العاطفيّ (N) Neuroticism.

لكن ما أريد أن أتوسّع بذكره في هذا المقال، هو الجوانب الستّة لكلّ سمة من السمات الخمسة، هذه نقطة مهمّة جدًّا لتعميق فهمنا للسمّات. بحيث أنّنا قد نجد شخصين اثنين يُسجّلون نِسَب مُتقاربة على مقياس أحد السمات الخمس، في الوقت الذي نلحظ فيه اختلاف على مستوى التعبير عن ذات السلوك. على سبيل المثال، قد نجد شخص انبساطيّ Extrovert وتشعر بأنّه ودود ولطيف للغاية وشخص آخر انقباضيّ/انطوائيّ  Introvert وهو أيضًا لطيف وودود للغاية على الرغم من أنّه يُفضِّل أن لا يُنشئ الكثير من العلاقات. يُحَلّ التناقض بالتفكير كالآتي، لكلّ سمة من السمات جوانب ستّ (6) تُشكّلها تختلف من حيث الدافع والحافز والكيفية التي تُعبّر بها السِمَة عن ذاتها.

وقبل أن أبدأ بذكر الجوانب الستّ لكلّ سمة من السمات، أودّ أن أُنبّه أن كل ستّ جوانب لكلّ سمة هي مترابطة مع بعضها البحث من حيث النوع. وفي الغالب حينما نقول أنّ شخص ما يُسجّل قيمة مرتفعة على مقياس الانفتاحية فهذا يعني أنّه في الغالب يُسجّل قِيَم مُرتفعة على الجوانب الستّ للانفتاحية، لكن وعلى الرغم من هذا الترابط، إلّا أنّ الجوانب الستّ مُستقلّة عن بعضها البعض من حيث الكَمّ، ولذلك يحدث أحيانًا أن يُسجّل شخص ما قِيَم مرتفعة على أربع أو خمس جوانب لنفس السِمَة، فيما يُسجّل قيمة متدنّية ومنخفضة على جانب أو جانبين من الجوانب الستّ للسمة ذاتها، وهو ما يُفسِّر الكثير من الفروقات الفردية والاختلافات بين الأشخاص الذين يُسجّلون قِيَم مُتقاربة على مستوى السمات، (بحيث يكون الاختلاف على مستوى الجوانب الستّ التفصيلية لكلّ سمة). وتُقاس السمات الخمس وجوانبها الستّ، على عدّة مقاييس وأدوات علمية عِلمية، هي: NEO-PR و International Personality Item Pool (IPIP)

أولًا، الانفتاحية Openness. 
تُعبّر سمة الانفتاحية (وهي كترجمة أدقّ، الانفتاح للتجربة Openness to Experience) عن مدى إقبال الشخص على التجارب والأفكار الجديدة وتلك المخالفة لما اعتاد عليه وتربّى عليه. من المهم التأكيد على أنّ سمة الانفتاح للتجربة (O) لا تُعبّر عن الذكاء بالضرورة، وإنّما تُعبّر عن قابلية الشخص ونزوعه نحو تعلّم خبرات وأفكار جديدة. فإذا فهمنا هذا، نُعيد التوضيح، أنّ سمة الانتفاح للتجربة (O) من بين السمات الخمس جميعها، تُظهر قدر من الارتباط النسبي مع الذكاء، وهو ارتباط ضعيف نسبيًا، لكنّه الأوضح من بين جميع السمات الخَمس.
تتقسّم جوانب الانفتاحية (O) إلى ستّ جوانب:
1. الخَيال Fantasy: ومَن يُسجّل قيمة مرتفعة على هذا الجانب من الانفتاحية، فهذا يُعبّر عن ميول الشخص نحو التجارب الجامحة والأفكار غير التقليدية، مثل التجارب الغريبة والغامضة، بما يشمل الأطعمة الجديدة واللباس الجديد والزينة غير التقليدية والأنماط الجنسية الغريبة ونحوه. فالعالَم عنده بشكله الحاليّ مُملّ وعادي ويحتاج إضافة الكثير من الخيال الجامح والتجارب الجديدة. ومَن يُسجّل قيمة مُنخفضة، فهذا يعني مَيل الشخص للتجارب التي يعرفها مُسبقًا وقَبول نمط الحياة كما هو.
2. الاهتمام الفنّي Artistic Interest: مَن يُسجّل قيمة مُرتفعة على هذا الجانب من الانفتاحية، يعكس اهتمام هذا الشخص بالأعمال الفنّية وتقديره للفَن والجمال. من الضروري هُنا التأكيد على أنّنا لا نتحدّث عن قدرة الشخص على إبداع الفَن أو ممارسة الفَن أو إنتاج عَمَل فنّي إبداعيّ، بقدر ما تُعبّر عن تقدير هذا الشخص واهتمامه بالأعمال الفنّية والجَمَالية بمختلف أنواعها.
3. العاطفية Emotionality: مَن يُسجّل قيمة مرتفعة هُنا، فإنّ من شأن هذا أن يُعبّر عن قدرة الشخص على الوصول إلى مشاعره، وتقديرها والتفاهم معها وبالتالي التعبير عنها بأريحية. إنّ هذا المقياس تعبير عن تقدير الشخص لعواطفه ومشاعره واشتباكه معها بدل إهمالها وكبتها.
4. المغامرة/المخاطرة Adventurousness: ويُعبّر هذا الجانب عن مدى ميول الشخص للمخاطرة والإقدام على المغامرات والتجارب غير المألوفة. مَن يُسجّل قيمة منخفضة على هذا الجانب، لا يُحبّ عادةً تغيير روتينه اليوميّ، ولو حدث هذا سيشعر بعدم ارتياح كبيرة.
5. التثقّف Intellect: ويُعبّر هذا الجانب عن مدى انجذاب الشخص للأفكار والفلسفة والتحدّيات الفكرية، والنقاشات الثقافية، والأُحجيات العقلية والمعضلات الفكرية والتفكّر بالأفكار المُعقّدة ونقاشها والخوض فيها. ومَن يُسجّل قيمة مُنخفضة على هذا الجانب، يرى النقاشات الفكرية والنظرية كمَضيعة للوقت، ويُفضّل أن يتناقش مع من حوله بشؤون الأشخاص والأحداث اليومية المُبسّطة ونحوه.
6. التحرّرية القِيَميّة Liberalism: ويُعبّر هذا الجانب عن ميول الشخص للتحرّر من التقاليد والقوانين المُحافظة، ومَن يُسجّل قيمة مرتفعة على هذا الجانب، يكره اتّباع القوانين ويتعاطف مع مَن لا يخضع لها. وإذا دفعنا هذا المقياس لأقصاه، فإنّ مَن يُسجّل قيمة مرتفعة جدًّا على هذا المقياس، فهو غالبًا ما يُحبّ اللاسلطوية والفوضى وعدم الامتثال. ومَن يُسجّل قيمة مُنخفضة هنا، فإنّ هذا يُعبّر عن ميول الشخص للأفكار التقليدية. وهناك ارتباط مبدئي بين هذا الجانب تحديدًا وبين الحزب السياسيّ الذي يميل إليه الفرد، فمَن يُسجّل قِيَم مُرتفعة يميل نحو الأحزاب اللّيبرالية، ومَن يُسجّل قِيَم مُنخفضة يميل نحو الأحزاب المُحافظة.

ثانيًا، الانضباطية Conscientiousness
تُعبّر الانضباطية (C) بشكلٍ عام عن مدى انضباط الشخص في حياته ونظاميته في جوانب معيشته، ومدى قدرته على الالتزام والتفاني تجاه المسؤوليات والواجبات المُوكَلة إليه. ومن بين جميع السمات الخَمس للشخصية، ترتبط هذه الشخصية ارتباط إحصائيّ قويّ جدًّا بالنجاح بالوظيفة والدراسة والحياة المهنية، لأنّ مَن يُسجّل قيمة مرتفعة على هذا المقياس، يستطيع أن يجتهد ويتفانى لتحقيق الأهداف التي يضعها لنفسه. هُنا بالطبع يجدر التنويه إلى أنّ هذه السمة من بين جمع السمات الخَمس هي الأكثر قدرة على الاكتساب والتعلّم، أيّ أنّ الشخص بإمكانه أن يُساهم برفع قيمة ما يُسجّله على هذا المقياس، من خلال التدرّب والتمرين على الالتزام والانضباط، فهي قابلة للتعديل والتعلّم، على عكس سِمَتيّ التوافقية Agreeableness والقلق العاطفيّ Neuroticism المَحكومَتين بشكلٍ كبير إلى حدّ ما، بعوامل تكوينية يصعب (ولا يستحيل) تعديلها وتقويمها بسرعة.
تنقسم الانضباطية إلى ستّ جوانب فرعية، كالآتي:
1. الفَعالية الذاتية Self-Efficacy: وتُعبّر عن قدرة الفرد على تحقيق الأهداف وإنجاز المَهام المَوضوعة أمامه. مَن يُسجّل عاليًا على هذا الجانب من جوانب الانضباطية (C) يمتاز بأنّه يستطيع السيطرة على حياته، مُنافِس وفعّال في الأوساط التي يتواجد بها، منضبط ذاتيًا. في المُقابل، مَن يُسجّل قيمة مُنخفضة على هذا المقياس، لا يستطيع النجاح في الكثير من المهام، ولا يستطيع تحسين ظروفه وحياته للأفضل بسهولة.
2. الترتيب Orderliness: يُعبِّر الترتيب عن ميول الفرد بالاهتمام بوضع القوائم والجداول بحياته، ووضع الأمور بمكانها الصحيح، بما يشمل ترتيب الأمور والأشياء من حوله، سواء أكانت أوقات، أشياء، مهام، نشاطات أو حتّى الأثاث. فمَن يُسجّل عاليًا بهذا الجانب يكون مُنظّم في حياته على مستوى العديد من التفاصيل. أمّا مَن يُسجّل قيمة مُتدنّية هنا فغالبًا ما يظهر على نمط حياته قدر عالي من الفوضى والعشوائية.
3. الامتثال Dutifulness: يُعبّر هذا الجانب عن امتثال الفرد للتعليمات والقواعد، ومدى اتّباعه للعقود والقوانين والتزامه بها، فمَن يُسجّل عاليًا في هذا الجانب، يكون عالي الامتثال للتعليمات والقوانين، أمّا مَن يُسجّل قيمة متدنّية فهو في الغالب يظهر كشخص لا يمكن الاعتماد عليه، كثيرًا ما يتجاهل التعليمات ويخرق القوانين، بل إنّه يرى التعليمات كشيء مُقيِّد وخانق للغاية بالنسبة له.
4. السعي للإنجاز Achievement: مَن يُسجّل عاليًا على هذا الجانب يميل لأن يكون شخصًا ناجحًا ومُنافسًا في المجال أو المكان الذي يتواجد به، يضع لنفسه أهدافًا عالية ويطمح لتحقيق أعلى الدرجات. مَن يُسجّل قيمة مُنخفضة لا يسعى جاهدًا لتحقيق أهدافه ومهامه، وحتى تلك التي ينجزها يبذل فيها أقل جهد ممكن. يجدر التنويه هنا، إلى أنّ أولئك الذي يسجلون قيمة مرتفعة جدًا على هذا المقياس، قد يتسبّب لهم ببعض المتاعب، المتعلّقة بوضع أهداف عالية تفوق قدراتهم، ومن تبعات ذلك أيضًا أن يفقدوا القدرة على التفكير بالخيارات والبدائل الأخرى للهدف العالي الذي يضعونه لأنفسهم.
5. الانضباط الذاتيّ Self-Discipline: يُعبّر هذا الجانب تحديدًا عن تفاني الشخص، فمَن يُسجّل عاليًا بهذا الجانب يظهر كشخص بإمكانه التفاني بمهمة مُحدّدة، إنّه حين يريد أن يُحقّق أمرًا تراه كشخص ملتزم بفعل كل ما يستطيع فعله لتحقيق هدفه، المظهر الأشد وضوحًا لهذا الجانب، هو قدرة الفرد على قضاء ساعات طوال لإنجاز مهمة مُحدّدة، تجده منهمك تمامًا وهو يقوم بها ولا يتركها حتى ينتهي منها، على العكس ممن يُسجّل قيمة متدنّية هنا، تراه لا يستطيع أن يقوم بمهمة ما لأكثر من دقائق قليلة، حتى لو كانت مهمة ممتعة بالأساس.
6. التأنّي والحذر Cautiousness: يُعبِّر التأنّي والحذر عن قدرة الشخص على التمهّل والتفكير جيدًا قبل إقدامه على خطوة أو سلوك ما. مَن يُسجّل عاليًا هنا، تراه يحسب جيدًا خياراته، ويأخذ بعين الاعتبار أبعاد ما سيقوم به. في المقابل، مَن يُسجّل قيمة متدنّية هُنا، يبدو كشخص مندفع ومتهوّر، هذه السمة تحديدًا هي الأكثر إظهارًا لمُعامل الاندفاعية Impulsivity، مَن يُسجّل قيمة متدنّية على جانب التأنّي والحذر، لا يمكنه أن يمنع نفسه من القيام بردّ فعل مُستعجل ومباشر، وهو ما قد يتسبّب له ببعض المتاعب والشعور بالندم لاحقًا.

ثالثًا، الانبساطية Extraversion
تُعبّر سمة الانبساطية عن مدى الإقبال الاجتماعيّ للفرد ومدى حُبّه ورغبته بالتفاعلات الاجتماعية والانخراط بالتجمّعات والمناسبات الاجتماعية. ويُقابل هذه السمة سمة الانقباضية/الانطوائية Introversion. وتنقسم سمة الانبساطية إلى ستّ جوانب، هي:
1. الّلطف Friendliness: يُعبّر هذا الجانب عن مدى لُطف الشخص في التعامل الاجتماعيّ، ومَن يُسجّل قيمة مرتفعة على هذا المقياس، غالبًا ما يُرى، مِن قِبَل الأشخاص الآخرين على أنّه شخص لطيف و ودود Friendly. لكن هذا الجانب يُعبّر في الحقيقة عن مدى اهتمام الشخص ورغبته في تكوين علاقات اجتماعية، وقدرته على بناء علاقات ودودة ومُقرّبة بُسرعة. مَن يُسجِّل قيمة مُتدنّية على هذا المقياس، غالبًا ما يُرى على أنّه شخص مُنعزل، منشغل بنفسه، وهذا الشخص في حقيقته لا يشعر بأنّه مُهتم بتكوين علاقات اجتماعية، لذلك فهو لا يُبادر ولا يحاول أساسًا، فيبدو بمظهر الشخص المنعزل.
2. العِشرة أو الانخراط الاجتماعيّ Gregariousness: حينما نتحدّث عن أنّ شخص ما انبساطيّ Extrovert فإنّنا في الغالب نقصد هذا الجانب على وجه التحديد من جوانب سمة الانبساطية، فهذا الجانب تحديدًا يُعبّر عن الإقبال الاجتماعيّ للفرد، وعن مدى حماسهم للانخراط بنشاطات اجتماعية. فمَن يُسجّل عاليًا على هذا المقياس، يُحبّ أن يتواجد بالتجمّعات الاجتماعية والمناسبات والاحتفالات والاجتماعات والمشاركة والمبادرة ويبدو مُتحمّسًا وهو يفعل ذلك. وعلى الرغم من أنّ جانب “اللطف” وجانب “العشرة الاجتماعية” في الغالب مترابطَين، إلّا أنّه كما ذكرنا مُسبقًا تنفصل الجوانب من حيث النوع عن بعضها البعض، لذلك قد نجد شخص ما لديه إقبال اجتماعيّ مرتفع لكنّه غير ودود أو لطيف بنظر الآخرين، والعكس.
3. الحزم والإصرار Assertiveness: من الّلافت أن يتواجد هذا الجانب تحت سمة الانبساطية، وهو ما يملك قدرة تفسيرية عالية لكثير من السلوكيات. مَن يُسجّل قيمة مرتفعة على هذا الجانب، يُحبّ أن يملك زمام الأمور، وأن يُدير النشاطات وأن يتولّى الحديث والتخطيط. وهذا الجانب تحديدًا هو الأكثر ارتباطًا إحصائيًا بمهارات القيادة. وهذا الجانب مُستقلّ نوعيًا عن باقي الجوانب الأخرى للانبساطية، فقد نجد شخصًا ما انقباضيّ Introvert ولكنّه يُسجّل قيمة مرتفعة على جانب الحزم والإصرار Assertiveness.
4. النشاط والحيوية Activity: يُعبّر هذا الجانب عن نشاط الفرد وحيويته ومدى انهماكه بالعديد من النشاطات، ومدى امتلاء جدوله اليوميّ. مَن يُسجّل قيمة مُرتفعة تجده غالبًا منشغل، ولا يملك الكثير من أوقات الفراغ ويعيش حياته بنمط سريع الوتيرة. أمّا مَن يُسجّل قيمة متدنّية فنمط حياته يسير بوتيرة أبطأ وأكثر راحة وتفرّغًا.
5. السعي للإثارة Excitement Seeking: يُعبّر هذا الجانب عن مدى بحث الفرد للحماس والإثارة في نشاطاته اليومية. مَن يُسجّل قيمة مرتفعة على هذا الجانب يملّ بسرعة من النشاطات التقليدية، و يُحبّ أن يتواجد بالأماكن الصاخبة والمثيرة. ومَن يُسجّل قيمة منخفضة هنا، يشعر بالإرباك والانزعاج من الصخب والنشاطات المفرطة بالحماس والإثارة.
6. المرح Cheerfulness: مَن يُسجّل قيمة مرتفعة على مقياس الفرح، تجده شخصًا مَرِحًا ومليء المشاعر الإيجابية والحيوية. لا يعني هذا أنّ مَن يُسجّل قيمة متدنّية هنا، بأنّك ستجده حزين أو كئيب، ولكنّك ستراه محايد التعبير الانفعاليّ بأسوأ أحواله، فهذا ليس مقياسًا عن الفرح والحزن، بقدر ما هو تعبير عن مرح الشحص (شخصية مرحة) في تفاعلاتها الاجتماعية وعن مدى حُبّه للمتعة والمرح.

رابعًا، التوافقية Agreeableness
تُعبّر سمة التوافقية عن مدى سهولة الشخص في قبول طلبات الآخرين وابتعاده عن الخلافات والصراعات وتُعبِّر أيضًا عن مدى تقديم الشخص التوافقيّ لأولويات الآخرين على حساب أولوياته الشخصية، ومدى تعاطفه واهتمامه بما يشعر به الآخرون حياله. والنقيض لهذه السمة (مَن يُسجّل نسبة متدنّية) هي العِدائية Disagreeable والشخص العدائي يتورّط بالكثير من الخلافات وينهج سلوك عدائيّ ومؤذي وعدواني، وتشير الدراسات الإحصائية إلى ارتباط إحصائيّ في أنّ المتواجدون بالسجون لأسباب جنائية هم في الغالب أشخاص عدائيين، وكذلك مَن يُسجّلون نسبة متدنّية على سمة الانضباطية (C) كثيرو الانتهاك للقوانين والتعليمات. أمّا السمات الست للتوافقية فهي:
1. الثقة Trust: مَن يُسجّل قيمة مرتفعة على هذا الجانب، يشعر بأنّ الناس في مُجمَلهم ذوي نوايا حسنة، يمكن الوثوق بهم، أخيار بطبعهم ويستحقّون الثقة. مَن يُسجّل قيمة متدنّية هنا، يشعر بأنّ الناس لا يستحقّون الثقة وأنّهم خطر وتهديد مُحتَمَل. 
2. المباشرة Straight Forwardness: وتُسمّى أيضًا Morality لكنّها لا تُعبّر عن الأخلاق من حيث الصواب والخطأ الأخلاقيّ، لكنّها تُعبّر عن مدى الالتواء والتلاعب الذي ينهجه المرء في سلوكه وفي حديثه، لتحقيق رغباته أو إيصال فكرته أو بلوغ هدفه خاصّة على المستوى الاجتماعيّ. مَن يُسجّل قيمة مرتفعة هنا، تجده صريح ومباشر في سلوكه وفي حديثه (الّي بقلبه على لسانه). مَن يُسجّل قيمة متدنّية هنا، يستخدم الكثير من التلميحات والالتواءات وأحيانًا لا يُعبّر أبدًا عن حقيقة ما يشعر به أو ما يقتنع به، ويلجأ للتلاعبات أو الطرق الملتوية والبديلة لفعلها.
3. الإيثار Altruism: يُعبّر هذا الجانب، عن الرغبة العامّة لمساعدة الآخرين، وحتّى عن الطريقة التي ينظر بها المرء لفكرة مُساعدة الآخرين. مَن يُسجّل قيمة مرتفعة هنا،يشعر بأنّ مساعدة الآخرين بالنسبة له مكافأة ذاتية تُشعره بالرضاء عن ذاته. مَن يُسجّل قيمة منخفضة هنا، ليس بالضرورة أنّه لا يُساعد أحدًا، لكنّه إذا ما فعل، لَن يشعر براحة كبيرة.
4. المطاوعة Compliance: يُمكن أن نقول أنّ هذه السمة تحديدًا هي ما يقصده الناس حينما يقولون عن شخص ما بأنّه توافقيّ Agreeable. وتُعبّر عن مدى موافقة الشخص لما يُطلب منه ولما يحدث معه. مَن يُسجّل قيمة مرتفعة يكره المواجهات ويكره حدوث الخلافات أو أن يشتبك في صراعات، كما أنّه يضع رغبات واحتياجاته الآخرين أمام رغباته وحاجاته وهذا يؤذيه بالطبع. مَن يُسجّل قيمة منخفضة، تجده شخص ندّي، منافس، وقد يكون عنيد في حال تسجيل قيمة مرتفعة للغاية، ويهمّه أن يحقق رغباته وحاجاته وقناعاته.
5. التواضع Modesty: ويُعبِّر هذا الجانب عن مدى شعور المرء بضرورة تأكيد أنّه شخص أفضل أو أسمى أو أنجح أو أقدر من بقيّة الناس أو بقيّة الحاضرين. مَن يُسجّل قيمة مرتفعة هنا، يكره أن يدّعي أو أن يظهر بمظهر الشخص الأفضل، وقد يرجع هذا لتدنّي تقدير الذات، أو انعدام الثقة بالنفس، لكنّه ليس ترابط سببي، بمعنى قد يُسجّل شخص ما قيمة مرتفعة على جانب التواضع، ويكون لديه تقدير عالي لذاته. مَن يُسجِّل قيمة منخفضة هنا يبدو كشخص متعجرف.
6. التعاطف Sympathy: مَن يُسجّل قيمة مرتفعة على هذا الجانب، تجده كثير الشعور بمعاناة الآخرين ويأخذها بتفكيره بعين الاعتبار، إنّه يشعر بمعاناتهم وكأنّها معاناته ويكون قادر على تخيّلها وفهمها، والإفراط بهذا الجانب إفراط بالمعاناة أيضًا وهو ما قد يكون شيء مَرَضي ومؤذي أيضًا. أمّا مَن يُسجّل قيمة متدنّية، غالبًا ما ينظرون للمواقف بمنظار الموضوعية والمنطقية ويفصلون بين شعورهم وشعور الآخر ومعاناته، ولذلك لا يتأثّرون كثيرًا بمعاناة الآخرين. يُنظَر أحيانًا لهذا الجانب على شكل تقدير قِيَميّ لقيمتَيّ العَدل والرحمة Mercy vs. Justice. مَن يُسجّل نسبة مرتفعة هنا، يتجّه أكثر باتّجاه قيمة الرحمة، ومَن يُسجّل نسبة متدنّية هُنا يتجّه أكثر نحو قيمة العدل.

خامسًا، القلق العاطفيّ Neuroticism
المقياس الأخير والسمة الخامسة هي القلق العاطفيّ، وقد يُوحي إسمه بشيء من الّلبس المتعلّق بالعلاقات العاطفية، وتُسمّى أحيانًا بالاستقرار العاطفيّ Emotional Stability، وأعتقد أنّه من الدقة أن نتحدث عن الشعور أكثر من العاطفة، إنّه شعور المرء حيال نفسه والأشياء من حوله، إنّها تُعبّر عن مدى خوفه وقلقه وكيفية استجابته للضغوطات والظروف الحياتية وشعوره بالاستقرار والأمان، وبالطبع هذه السمة مثل باقي السمات الزيادة المفرطة فيها مَرَضية مثل النقص المُفرِط فيها. إذ ليس انعدامها (أو تسجيل 0% على هذا المقياس) يعكس سلامة النفس واستقرار الصحّة النفسية أبدًا. وبشكل عام فإنّ تسجيل قيمة مرتفعة بهذه السمة، مرتبط بأداء وظيفيّ سيّء، ويشعر الشركاء العاطفيون لهؤلاء الأشخاص بعدم الرضا عن علاقاتهم ويشكون من كثرة المشاكل. ولكيّ نفهم هذه السمة أكثر، لنستعرض الجوانب الستّ لها.
1. القلق Anxiety: وهذا ليس تعبير عن “اضطراب القلق Anxiety disorder” وإنّما مقياس لسرعة وسهولة شعور الشخص بالقلق والتوتّر حيال الأمور التي تحدث من حوله، وكيف ينظر إلى المُحيط والأحداث على أنّها مصدر تهديد وخطر، وهي في الحقيقية تعبير عن قدرة المرء على تنظيم استجابة الهروب/المواجهة Fight/Flight. مَن يُسجّل قيمة مرتفعة على هذا الجانب في الغالب، يُعاني من: قلق عام، توتّر، ذُعر، أو فوبيا من مُحفِّز مُعيّن. أمّا مَن يُسجّل قيمة متدنّية، فهو يشعر بهدوء وطمأنينة، ولا يخشى عواقب ما يحدث من حوله.
2. الغضب Anger: وهذا ليس تعبيرًا عن الإيذاء أو العدوان (الإيذاء والعدوان متعلّق بتسجيل قيمة متدنّية على مقياس سمة التوافقية Agreeableness وهو ما يُسمّى بالعِدائية Disagreeable) ويُعبّر الغضب عن حِدّة ردّ الفعل الذي يستجيب به الشخص تجاه حدث ما لا يسير بالطريقة التي ينبغي له أن يسير بها، أو عند تعرّضه للخداع أو الظلم.
3. الاكتئاب Depression: وهذا أيضًا ليس تعبير عن اضطراب الاكتئاب بصيغته المَرَضية أو السريرية، وإنّما تعبير عن الحالة الطبيعية للمَرء من حيث شعوره الداخلي، ومدى سلبية مشاعره وحوافزه وإقباله على الحياة. فَمَن يُسجّل قيمة مرتفعة هنا، تجده معظم الأوقات متقاعس، حزين، طاقته منخفضة، نشاطه ضعيف، حزين. أمّا مَن يُسجّل قيمة منخفضة هنا، فهذا لا يعني أنّه فرح ومتحمّس، هذه نقطة مهمة، مَن يُسجّل قيمة منخفضة هنا، أنت تجده لا يملك أيّة مشاعر سلبية فحسب، شيء من الحياد الشعوريّ (تذكّر أنّ الحَمَاس والإقبال المَرِح على الحياة، يتعلّق بجانب المَرَح Cheerfulness من سمة الانبساطية Extraversion).
4. الوَعيّ بالذات Self-consciousness: ويُعبّر هذا الجانب عن مدى اهتمام المَرء بصورته الذاتية، فَمَن يُسجّل قيمة مرتفعة هنا، يهتمّ كثيرًا بالطريقة التي ينظر بها الآخرون له ولسلوكاته، ويكون واعي لتصرّفاته بشكل حسّاس يأخذ بعين الاعتبار كيف سيفهم الآخرون سلوكه. أمّا مَن يُسجّل قيمة منخفضة فهم يتصرّفون بعفوية وراحة أكثر بخصوص التفاعلات الاجتماعية لأنّهم لا يقلقون كثيرًا للطريقة التي يفهمهم بها الآخرون.
5. الاندفاعية Impulsiveness: هذه السمة يتشارك بها كلًّا من الانضباطية (C) والقلق العاطفي (N)، وهي تعبير عن سرعة وطريقة الاستجابة الاندفاعية للمرء وقدرته على ضبط استجابته وردّة فعله حيال موقف ما. مَن يُسجّل قيمة مرتفعة هنا، يشعر برغبة شديدة، وحاجة مُلحّة للردّ والاستجابة الفورية، ولا يملك القدرة على منع التلبية الفورية لحاجاته أو انفعالاته، والتفكير يكون بالعوائد والملذّات في العاجل القريب (لا يحتمل العوائد بعيدة المدى).
6. الحساسية Vulnerability: وقد يكون من الأدقّ ترجمتها بالقابلية للذُعر. وهي تُعبّر عن مدى جاهزية المَرء وقابليته لأن يُصاب بالذُعر والتوتّر، وإحصائيًا ترتبط مع الجانب الأوّل لهذه السمة، وهي (القلق Anxiety)، وهي تختلف عن جانب القلق، في أنّ القلق تعبير عن القدرة على ضبط استجابة التوتّر، في تعبير عن إدارة الاستجابة، أمّا الحساسية فهي تعبير عن الجاهزية المُسبقة، وبإمكان تخيّل هذا الجانب على شكل كأس من الماء، كَم يحتاج كمية حتى يمتلئ ويفيض، كلّ شخص مُعبّأ مُسبقًا بكمية من الماء (التوتّر المُسبَق) وكَم يحتاج لأن يُسكَب فيه مزيد من الماء (عوامل الضغط ومُحفّزات التوتّر) حتى يمتلئ ويفيض (يبدأ بالذعر والهلع والخوف. فالبعض يحتاج لوقت طويل (مُحفِّز أكبر، مصيبة أكبر، حدث أعظم) والبعض يحتاج لمُحفِّز بسيط وهكذا. مَن يُسجّل قيمة متدنّية، يبدو كشخص هادئ، وواثق ومتّزن إنّه يبدو متماسك لفترة طويلة تحت ضغوطات الحياة والمصائب من حوله. لكن يجدر الذكر أنّ تسجيل قيمة متدنّية للغاية هنا أمر سيّء أيضًا، إذ يبدو الشخص كشخص بليد أو منفصل أو لا أبالي، وهو ما قد يزعج مَن يهتمّ بما يحدث من حوله، وهو أيضًا ما قد يؤدّي إلى عدم الشعور بالأهمية لفعل شيء ما حيال مشكلة حقيقية.


كيف نتعاطى مع السمات التي تؤذينا أو تؤذي غيرنا؟

إذا كانت لديكَ مُشكلة كبيرة تستعصي على الحَلّ، فقسّمها إلى مجموعة مشاكل صغيرة.. وقُم بحلّ كلّ مشكلة على حِدَة.
– رينيه ديكارت

من المؤسف أنّ النّاس في الغالب يميلون لأن يُغذّوا السمات التي تؤذيهم، أو التي يتضرّرون منها، فمَن يُسجّل نسبة مرتفعة على مقياس القلق العاطفيّ (N) يفكّرون بطريقة تزيد من حالهم سوءًا وتزيد من قلقهم وتوتّرهم، وكذلك فإنّ الشخص الاعتماديّ يميل لأن يتواجد حول الأشخاص الذي يحبّون إعالته، فهو بهذه الطريقة لم يتحرّر ولم يتعلّم أن يعتمد على نفسه، وهو نفسه يشكو أنّه شخص اعتماديّ، وكذلك فإنّ الشخص التوافقيّ الذي يتأذّى يحدث كثيرًا أن يُغذّي سمة التوافقية، مثل أن يُحبّ أن يتواجد في وسط أشخاص يملون عليه أولوياتهم فيأخذها ويقدّمها على أولوياته ونحو ذلك.
بشكل عام، يبدو من المعقّد ومن غير الدقيق القول أيّ النسب على السمات الخمس هي الأكثر مثالية أو الأكثر صحّية، ولكن لغايات التبسيط يُشير الباحثون إلى أنّ الأشخاص الذي يُعبّرون ويشعرون برضى أكبر عن ذواتهم وحياتهم غالبًا ما يُسجّلون: نِسَب مرتفعة (نسبيًا وليس بشكلٍ حادّ) على كلّ من الانفتاحية، الانبساطية، التوافقية، الانضباطية ونسبة منخفضة (نسبيًا) على سمة القلق العاطفيّ.
لنفترض أنّك تنبّهت لوجود أحد الإشكالات في أحدّ السمات الخمسة لديك، بحيث أنّك تُسجّل نسبة مُرتفعة على مقياس أحد السّمات، بطريقة مُؤذية لكَ أو لغيرك ولاحظت أثرها السلبيّ على حياتك وعلى مَن حولك، وتودّ أن تقوم بتحسين سلوكك الشخصيّ، فما هي أفضل طريقة لفعل ذلك؟

أولًا: إدارة السمة بدل مُحاربتها (التقويم السلوكيّ).

سيكون من الجيّد التأكيد على أنّ الأفضل دائمًا، هو أن نُدير السّمة الطبيعية التي وُجدت بنا، بدل أن نُعاكسها أو نُحاربها، فالأفضل أن نُسهّل لها البيئة والمهام الملائمة لتتحقّق وأن نُدير مساوئها وعيوبها بطريقة ضبط وتهذيب، بدل أن نُقصي أو نحارب السمة ككلّ بالمُطلَق. ويتمّ هذا من خلال تقسيم هذه السّمة لمكاسبها (إيجابياتها) وآفاتها (سلبياتها) وبدل التعاطي معها ككلّ أُحادي قسّمها على شكل أداء سلوكيّ عمليّ. لنأخذ مثالًا بسيطًا:
إذا سجّلت قيمة منخفضة جدًّا على مقياس التوافقية Agreeableness بطريقة تُفسِّر سلوكك العدائي.. الذي يتضايق منه مَن حولك، والذي تسبّب لكَ بخسارات كبيرة على مستوى العلاقات. فالأفضل أن تُركّز أنّ لهذه السّمة إيجابياتها في الوقوف مُدافعًا عن نفسك دون أن ينتهك حقوقك من حولك، ثُمّ ثانيًا تُذكّر نفسك بالعواقب السلبية لهذه السمة من أنّك كثيرًا ما تؤذي أو تجرح الآخرين ولا تتفهّم مواقفهم في كثير من الأحيان. وبعدها تنتقل لمرحلة التقويم السلوكيّ، على شكل مهام فرعية خاصّة، كالآتي: ستجعل لنفسك مهمّة أسبوعية، (مرّة بالأسبوع مثلًا) لأن تُفكِّر بجلب هدية لشخص ما عزيز عليك، أو يهمّك أن تُنجِح علاقتك معه، (بهذه الطريقة، ستفكّر بماذا يُحبّ هذا الشخص، هذا تمرين جيّد على التعاطف empathy أو التفكير بمنظور الآخر، لأنّك ستحاول أن تُفكِّر بالطريقة التي يُفكِّر بها هو فيما يرغب أو يُحبّ.. وهو ما سيزيد لاحقًا وعلى مدى متكرّر ومنتظم من المحاولات، من معامل التوافقية).


ثانيًا: المشكلة قد تكمن في المُحيط والوسط الخارجيّ.
لنفترض أنّك شخص تُسجّل نسبة منخفضة على مقياس الانبساطية Extraversion أيّ أنّك تنفر من الإقبال الاجتماعيّ والتفاعل مع الخارج بصيغته الاجتماعية ويزعجك التواجد في فعاليات اجتماعية تشعرك بالانكشاف للكثيرين، وبالتالي فأنتَ شخص انقباضي/انطوائيّ Introvert. ولنفترض أنّك تُسجّل أيضًا نسبة مُرتفعة على مقياس التوافقية Agreeableness ولا تُحبّ أن تظهر بمظهر المتسلّط أو القائد الحازم والشديد والذي لا يُراعي ظروف الآخرين. وعليه.. فأنتَ تُفضّل أن تعمل لوحدك وبأقلّ تفاعل اجتماعيّ ممكن وفي الوقت نفسه تُفضّل أن لا يراك الناس بصورة قبيحة كشخص لئيم ومُتحكِّم. ولنفترض أنّك تجد قلق كبير ومعاناة من طبيعة العمل الذي تعمل به، لأنّ هذا العَمَل يتطلّب قدر عالي من التفاعل الاجتماعي ومهارات القيادة والمبادرة والتواجد في مجموعات، مثل أن تكون مديرًا لمشروع بناء ضخم يتطلّب التعامل اليومي والكثيف مع عدد كبير من الناس الغرباء ويتطلّب أن تكون مُبادرًا ومُتسلّطًا لكي تستطيع إنجاح إدراتك للمشروع. لاحظ أنّ مثل هذا المجال قد يتسبّب بقلق كبير بالنسبة لك، وستجد نفسك مستنزف ومرهق، وتفشل بالإدارة الحازمة لأنّك تُراعي كثيرًا ظروف المُوظّفين الذين يتبعون لإدارتك، وهذا سيُزعِج إدارتك بطبيعة الحال، لأنّهم يُريدون منك قدر من الحزم والجفاف والّلؤم في التعامل مع العاملين. لاحظ أنّ طبيعة مُعاناتك هُنا، تكمن في أنّك تتواجد في وَسَط أو مُحيط أو بيئة عَمَل تُعارض تمامًا الميولات الطبيعية لسمات شخصيتك. حينها سيكون من الأفضل أن تُقيّم مدى تواجدك في الوسَط الصحيح أو في المكان الصحيح، الذي يُلائمُك ويُلائم ميولَك السلوكيّ الطبيعيّ، وسيكون أكثر جدوىً أن تُقرّر أن تُبدّل ما تقوم به إن أمكن.


ثالثًا، المُحاكاة والاستعانة بمن تثق به.
استند لصديق أو أخ أو أخت أو شخص قريب، كالمرآة، اطلب منه أن يُنبّهك، تكرار التنبيه والوعيّ المتكرّر، سيجعلك أكثر وَعيًا بالكيفية التي تتصرّف بها في كلّ مرة، إنّه يخلق مسافة بينك وبين الفعل التلقائيّ أو بين ردّة الفعل التلقائية وبعد فترة من التنبّه.. ستستبق سلوكك بثوانٍ أو أجزاء منها، وسُتعيد حساباتك وتقوّم من سلوكك شيئًا فشيئًا. يرتبط هذا بتمرين مهم، دَعنا نقول عنه المحاكاة. في حالة كُنت تُعاني من أذى واستغلال نتيجة لتسجيلك لقيمة مرتفعة بشكل حادّ على مقياس التوافقية (A)، فلتقم بالتمرين الآتي، اطلب من صديقك افتعال جدال يخصّ موقف ما، كثيرًا ما يزعجك أنّك تُستَغلّ من خلاله، إمّا لأنّك لا تُحبّ أن ترفض، أو لا تعرف كيف تُعبّر عن رفضك بطريقة مهذّبة دون أن تُؤذي الشخص الذي أمامك. الآن ستجدّ صعوبة في المرّة الأولى في توضيح منطقك، لذلك قد تُبرّر أثناء الجدال بتبريرات لا معنىً لها، وعلى صديقك في المقابل أن يتفاعل معك بحسب إجاباتك، ولو كانت حُجّتك ضعيفة أو غير منطقية، فهو لن يردّ عليك بطبيعة الحال. تكمن الفكرة في المحاكاة أن تصير ماهرًا في التفاوض، وهو ما يفتقد الشخص التوافقي جدًّا لخوفه من افتعال المشكلات، وأهمّ خطوة مفتاحية لتجاوز ذلك أن يُميّز بين الخِلاف Conflict وبين التفاوض والنقاش Negotiation. إذ يجب أن يصل مرحلة عالية من قدرته على التفاوض العقلاني والشدّ والجذب، دون أن تصل بالضرورة لمرحلة من الخلاف أو الصدام العنيف. ولكيّ يتحقّق هذا، فعلى الشخص التوافقيّ أن يجد أسباب قوية ومنطقية وعقلانية أولًا لتبرير انزعاجه منها. وأن يجد ثانيًا الطرق المناسبة للتعبير عن هذه الأسباب والعِبارات والكلمات الواضحة. وثالثًا وهي خطوة مهمة جدًّا في المحاكاة، أن يجد حلولًا ومسارات بديلة، في حال فشله في توضيح أو إقناع الآخر بوجهة نظره في المرّة الأولى.  وسنأتي على تفصيل هذا في الحالات المُقترحة في نهاية المقال وكيفية التعاطي معها.


رابعًا، الخُطّة الذهبية: ابدأ دائمًا بالانضباطية ثُمّ القلق العاطفيّ.
كما تبيّن في العديد من الدراسات، تلعب سمة الانضباطية (C) دورًا مُهمًّا على مستوى النجاح المهنيّ والدراسيّ والحياتيّ، هذه نقطة ذكية للانطلاق منها، إذا كانت سمة الانضباطية تُعيننا على تحقيق ما نخطط له، بالالتزام للخطة والتفاني تجاهها لإنجازها، فسيكون العمل على تحسين سمة الانضباطية (C) هو الخُطوة الأولى، لأنّنا إذا ضمنّا أداء جيّد على مستوى الانضباطية (C) وكُنّا على وعي وإدراك حقيقيّ لمشكلة ما بأحد السمات الأُخرى، فمن المُفترَض أن تُعيننا سمة الانضباطية على الالتزام بخطوات عملية وإجرائية لتحسين باقي السمات المُشكلة والعمل على تجنّب عيوبها. فإذا كُنت تُسجّل درجة جيّدة على مقياس الانضباطية (C) بالأساس فهذه نقطة جيدة تُحتسب لصالحك، ولتبدأ بالعمل على تقويم أيّة سمات تشعر بأنّها تتسبّب بإيذائك أو إيذاء مَن حَولَك، أمّا لو كُنتَ تُسجّل درجة قليلة بمقياس الانضباطية فعليك أن تبدأ برفعها وتحسينها. ولكيّ تفعل هذا الأمر، عليكَ أن تبدأ بضبط وقت الاستيقاظ والنوم أولًا، وتذكّر دائمًا أن تلتزم بموعد ثابت للاستيقاظ حتّى لو اضطررت للنوم متأخّرًا في بعض الأيام لظروف استثنائية، المهم أن تُثبّت وقت الاستيقاظ لأنّك ستلتزم من بعده بجدول مُحدّد من النشاطات الذي ستضعه مُسبَقًا، وطالما كان موعد استيقاظك ثابت على الدوام، فحينها لن يُفسَد جدول نشاطاتك اليوميّ إلّا لظروف استثنائية. وثانيًا ستعمل على خفض مستوى القلق العاطفيّ (N) الذي إن كان مُرتفعًا بشكلٍ حادّ، فإنّه من شأنه أن يُفسد عليكَ يومك، ويشتّت طاقاتك وتركيزك، ويحول دون أن تُنجِز أي شيء حقيقيّ، وأفضل الطرق لضبط مُعامل القلق العاطفيّ، هو أن تمارس التأمّل، وتتناول وجبات طعام صحّية ومنتظمة، وأن تمارس الرياضة بشكل منتظم، وسنأتي على هذا في التفصيل في النقطة التالية.


خامسًا، تنظيم النمط المَعيشيّ لصحّة نفسية مُستقرّة على الدوام.
النمط المَعيشيّ ككلّ يلعب دورًا مُهمًا في تعزيز المناعة النفسية وفي تحسين الأداء العلاجيّ للعديد من الاضطرابات النفسية. يشمل هذا بالطبع أهمّ ثلاثة أمور: الطعام، النوم، الرياضة.
أحد فروع العلاج النفسيّ السلوكيّ، يُسمّى بالتحفيز السلوكيّ Behavioral Activation ويهدف إلى مساعدة الإنسان بالانخراط بنشاطات الحياة بشكل فعّال. فأفضل علاج لك، هو: أن تجد لنفسك حياة مُمتلئة وفعّالة، بعيدًا عن أمور الوظيفة، مثل: رياضة جماعية، نوادي مجتمعية أعمال تطوعية.
وببساطة تتجسّد هذه المدرسة العلاجية بقول أرسطو: إذا أردتَ أن تصير شجاعًا، فـ عَليكَ أن تقوم بتصرّفات شجاعة.. فأنتَ تكتسب حالتك من خلال ما تقوم به والعكس طبعًا كَحَلقة تؤثّر بعضها ببعض.
ويُنبّه هذا الفرع من العلاج النفسيّ، إلى أنّ جوهر المشكلة يكمن في أنّ الإنسان حين يكتئب أو يقلق، سرعان ما يتصرّف ويُفكِّر بطريقة تُساعد في تعزيز هذا الاكتئاب أو القلق.
When people are depressed, they avoid many positive activities, which increase their depression.
وسرعان ما ينهمك بنشاطات سلبية Passive activities مثل: مشاهدة الأفلام أو النوم لساعات طويلة.. وهذا يُفاقم من سوء حالته.
وفيما يلي عرض سريع لأهمية تنظيم هذه الأمور وأثرها على الصحّة النفسية.


أ. تنظيم وقت الاستيقاظ والنوم.
واحدة من المبادئ الأساسية التي يقوم عليها العلاج السلوكيّ للاكتئاب والقلق، هي:
إذا أردتَ أن تُغيِّر ما تشعر به، فـ عَليكَ أن تُغيِّر ما تقوم به.
To change how people feel, help them to change what they do.
ومن أهمّ الاستراتيجيات العلاجية هي أن يبني الإنسان لنفسه نمط معيشي صحّي. ومن أهمّ خطوات التحفيز السلوكيّ، ضبط الإيقاع اليَوميّ Circadian rhythm (ضبط نشاطاتك مع وظائف جسمك): – ضبط وقت النوم والاستيقاظ – ضبط وجبات الطعام – ضبط أوقات نشاطاتك (أن تعوّد جسمك على إيقاع ثابت من النشاطات بدل أن تشوّش عليه نتيجة نظامك الفوضويّ).

وهذا الإيقاع اليوميّ، يتأسّس على فكرة أنّه الجِسم البشريّ والحيوانيّ عمومًا مُهيّأ مُسبَقًا لأداء مجموعة من الوظائف البيولوجية، بالتزامن مع أوقات محدّدة من اليوم. وبالتالي أفضل ما تخدم به نفسك، هو أن تضبط نشاطاتك بما يتلاءم مع ذلك.
الفكرة على العموم، إنّه قد شاع للأسف خطاب بالسنين الماضية، يجعل كلمة [روتين] تحمل دلالة سلبية، باعتبارها تعبير عن نَمَط حياة مُمِلّ وكلاسيكي، يخلو من الإثارة. مع إنّه إذا أردتَ إنّك تكون فاعلًا حقًّا، وأن ترفع من إنتاجيتك بشكل مُضاعف بأيّ مجال (موهبة، أو تعليم، أو وظيفة..) فأنت تحتاج إلى روتين ثابت. الروتين، يضبط وقت استيقاظك ونومك، وهذا الشيء يمكّنك من أن تضبط باقي نشاطاتك على هذا الأساس، أمّا الاستيقاظ العشوائي والنوم العشوائي، فإنّه يؤثّر على مزاج الإنسان، وبالتالي فاعليته وإنتاجيته وأدائه خلال اليوم.
وكما ذكرنا مُسبقًا بنقطة تعزيز معامل الانضباطية (C) فركّز دائمًا على أن تستيقظ بموعد مُحدّد حتى لو نمت مُتأخّرًا لظروف استثنائية.

ب. تنظيم وجبات الطعام.
بزغت منذ فترة غير قليلة مجموعة دراسات مُثيرة للاهتمام، تُشير لوجود ارتباط مبدئي بين الصحّة النفسية وحالة الجهاز الهضميّ بالعموم، بتأثير مُتبادل. بحيث أنّ النظام الغذائي ينعكس على تفاقم أو تحسين الحالة النفسية للإنسان. لهذا تُؤثّر الثُخمة على الحالة النفسية، وبالعكس يُؤثّر انقطاع وجبات الطعام أو انتظامها على الحالة النفسية. لذلك من الأفضل أن تتناول وجبات منتظمة من الطعام ومتباعدة على مسافات منتظمة خلال اليوم. وثانيًا اختيار أطعمة صحّية تُغطّي المتطلّبات اليومية من احتياجات الجسم. وكقاعدة مرجعية الابتعاد عن السُكّر والكربوهيدرات قدر الإمكان. وأخيرًا وعلى سبيل المثال، قد يُقلّل الكثير من وجبة الإفطار وقد يؤدّي إهمالها إلى زيادة استجابة الجسم للتوتّرات والقلق خلال اليوم.


ج. ممارسة الرياضة بشكل منتظم.
هناك ارتباط وثيق مُدعّم بالعديد من الدراسات العِلمية، بين ممارسة الرياضة بشكلٍ مُنتظم وبين الحالة النفسية للإنسان وتقديره لذاته. ويُمكِن للرياضة المنتظمة أن تكفل تحسين المزاج وعلاج أنواع من الاكتئاب من المستوى البسيط (وليس الحادّ) وزيادة الشعور بالسعادة، والتخفيف من التوتّر والقلق وتحسين القدرة على حلّ المشكلات ورفع الشعور بالرضا عن الذات.



د. النشاط الاجتماعيّ

عودةً للعلاج النفسيّ السلوكيّ وتحديدًا التحفيز السلوكيّ BA، تنقسم الأفعال التي يقوم بها المرء خارج إطار مُنظّم كالوظيفة أو المدرسة أو الجامعة، إلى أفعال إيجابية وسلبية بالمعنى الذي يتحقّق به حضور الفرد الفعليّ وتحقيقه لذاته. فالجلوس بالغرفة لساعات طويلة وحدك، وإن كان فعل ممتع (كمشاهدة الأفلام وتناول السناكات)، قد يؤدّي على المدى الطويل إلى شعور الفرد بعدم الإنجاز، أو شعوره بأنّه عنصر خامل وسلبيّ، مما يُقلّل من تقديره لذاته وصورته عن نفسه. بشكل عام أفضل الأعمال التي تنعكس على الذات هي تلك التي تتحقّق بها ذات الإنسان الاجتماعية، من أعمال التطوّع، المشاركة بنادي مجتمعي مَعني بقضايا ما، الانتماء لنادي حِرَفي أو رياضيّ. ممارسة موهبة ما كالرسم والفن والموسيقى والرقص ونحوه.


هـ. ممارسة أنماط التأمّل الروحانيّ أو التأمّل العلاجيّ.
هناك أساس عِلميّ قويّ (مُدعّم بالعديد من الدراسات المُحكمة) يُؤكّد ارتباط ممارسات التأمّل الروحاني بشكل منتظم، وأثر ذلك على انخفاض مستويات القلق والتوتّر. يمكن أن نقول أنّ للتأمّل خطوات هامّة على مستوى إفراغ الذهن ممّا يُشوّش تفكيره، والصفاء الذهنيّ والشعوريّ، والتركيز على النَفَس الداخل والخارج من الجسم، وتوجيه التركيز تجاه نقطة مُحدّدة وواضحة واستشعارها بشكل كثيف ووجدانيّ. يشمل هذا طبعًا أي صلاة أو ممارسة دينية، بشكلها العميق لا الإجرائي أو التقليديّ، مثل صلاة مليئة بالسكون، صلاة هادئة بطيئة، والدعاء الطويل والخشوع المُطوّل، والخضوع والاستسلام بالشكل الهادئ، مثل سجدة طويلة هادئة، تُعبّر فيها بهدوء وتركيز عن ما يُقلقك أو يُشوّش عليك تفكيرك.
وستجد على الرابط هُنا أحد الجلسات المُقترحة، والتي تُملي خلالها خطوات مُحدّدة للاتّباع، مع ضرورة التأكيد على التكرار والانتظام، مثل ممارستها كلّ يوم قبل النوم، مدّة الفيديو (10 دقائق مثلًا) أو من يوم لآخر بحسب القدرة. ويُمكن للمَرء أن يلحَظ الآثار الإيجابية لهذه الممارسة إذا انتظم بممارستها بعد أسابيع معدودة، سيلحظ على نفسه مُعدّلات أقلّ من القلق والتوتّر، ومستوى تفكير وحلّ مشكلات أعلى وأفضل، وسيلحظ في نفسه إقبال على الحياة بشكل إيجابي بشكل أكبر.
يشمل التأمّل أيضًا عادات مختلفة خلال اليوم، أثناء تناول الطعام أو سماع الموسيقى أو الشعور بالامتنان (تقدير ما تملك والامتنان لما تحظى به).


سادسًا، نماذج مختلفة.

حالة (1): لديّ A مرتفع
لكيّ تُغيّر من السلوك التوافقي المرتفع الذي قد يعود عليك بالأذى، فأولًا، عليكَ أن تعمل بشكل شاقّ ومنتظم على مقاومة الكثير من القناعات الشخصية، هذا مفتاح أساس بضبط سمة التوافقية، مثل أن تؤمن أنّ بعض الّلؤم ضروري لحماية نفسك، و،أن تقف مدافعا عن نفسك، وأن لا تُبرّر انهزامك أو عدم رضاك، وأن لا ترحل من الموقف أو تنهي النقاش قبل أن تقول ما تقنتع به حقًّا ويخنقك أن لا تقوله. ثانيًا وهي نقطة مهمة جدًّا للشخص التوافقي، هو أن تتعلّم المفاوضة Negotioation أو أن تتناقش وأن تصل إلى تسويات، لأنّ المشكلة الرئيسية لديك كشخص توافقي هو أنّك تخشى أن تتورّط بالخلافات والمشاكل أو أن تظهر بمظهر مُحرِج أو فاشل. لذلك يجب أن تتعلّم كيف تناقش قبل أن تُسارع لإنهاء النقاش والتخلّي عمّا تريد. ولكي يحدث هذا هناك ثلاث نقاط فرعية هامّة للغاية: 1. أن تعرف تمامًا ما تريد، حينما تكون واثقًا من قناعتك أو رغبتك أو حاجتك، ستقف مدافعًا عنها، ولن تجد مهربًا أو مخرجًا تُبرّر به لنفسك التخلّي عن النقاش حولها. 2. أن تُحضّر نفسكَ مُسبقًا من خلال التدرّب على النقاش، ليس فقط في ذهنك، وإنّما أن تطلب من أحد أصدقائك أن يفتعل هذا معك، وأن يضع عوائق أمام مبرّراتك -المحاكاة- (مثل أن تقول له أريد أن أطلب منك إعادة قلم أخذته منّي لتوّك، وأن تقاوم الحجج التي أضعها لك، بشكل وقح، وترى كيف سأردّ عليك أو أقنعك بذلك). 3. هي أن تتعلّم أن تتجاوز التفكير ذو الخطوة الواحدة،غالبًا ما تفشل الحجّة الأولى للشخص التوافقيّ، إنّه يُفكِّر بخطوة واحدة فقط، مثل: يجب أن أطلب منه، إغلاق النافذة لأنّني أشعر بالبرد، وإذا فعل ذلك وفشل (مثل أن يقول له الشخص، مش عاجبك اطلع) ينتهي النقاش عند الشخص التوافقيّ، لأنّه لا يعرف كيف يُكمل النقاش بدون حدوث خلاف، هنا يجب أن يتعلّم أن يُفكّر بأكثر من مجرّد الطلب، مثل (أن يستند لحجّة عامّة، مثل أنّ البرد قد ملأ المكان كلّه، والجميع يشعر بالبرد، وأنّك إذا كنت تشعر بالحرّ اخلع الجاكيت، فإذا رفض، أن تُفكِّر بحجّة ثالثة، مثل أن تلجأ لشخص ذو سلطة عليه، أو أن تزعجه بطريقة أخرى، أو أن تشرح له فكرة المكان الجماعي ونحوه).
حالة (2): لدي N مرتفع
مررنا خلال المقال، بناءً على عدد من الدراسات على العديد من الإجراءات والسلوكيات التي قد تساهم بتخفيف معامل القلق العاطفي المرتفع، وأفضل طريقة لخفضه والسيطرة عليه، تغيير عدد من السلوكيات والالتزام المنتظم ببعض السلوكيات، أهمّها: التمرّن الرياضي المنتظم، ممارسة التأمّل الروحانيّ أو الخشوع الدينيّ العميق، إيجاد وسط اجتماعيّ داعم وإيجابي، إيجاد نشاط مجتمعي تطوّعي أو نادي مجتمعيّ تجمعكم فيه اهتمام محدّد، كذلك قُم بمراجعة أخصّائيّ لتصحيح بعض الاعتقادات أو طرق التفكير السلبية/المشوّهة التي تزيد من توتّرك.
حالة (3): لديّ O منخفض
يُمكِن للمرء أن يرفع من معامل الانفتاحية، إذا ما قام بتغيير نشاطاته والوسط أو المكان الذي يتواجد به. فكثرة السفرة والترحال والتنقّل والتعامل مع أشخاص من مختلف الثقافات والبيئات يُكثّف فكرة وجود زوايا متعدّدة للعيش ولتجربة الحياة، وهو يزيد من توسيع إدراك الشخص للتجارب الحياتية المختلفة. وتشير بعض الدراسات لعلاقة قراءة الروايات العالمية والأدب والمَسرح في رفع هذه السمة. إليكَ هذا التمرين، جرّب أن تكتب قصّة قصيرة عن حادثة خطف تعرّضت له في أحد حافلات النقل الدولية يجلس فيه عشرة أشخاص من خلفيات مختلفة (بحيث كان هناك امرأة، طفل، قسّيس أو رجل دين، تاجر، شخص مصاب بمرض عضال، وعائلة من زوجين وطفلة كثيرة البكاء، وغيرهم) ثُمّ اكتب عن تجربة حادثة الخطف نفسها، من منظور كلّ شخص/فئة من الرُكّاب والطريقة التي استجابوا بها وتفاعلوا معها من منظورهم.


ملاحظات

  • نموذج السمات الخمس للشخصية ليس نموذجًا لتشخيص الاضطرابات النفسية، وإنّما نموذج لتحليل وفهم الشخصية وكيفية تحسينها والتعامل معها وإطلاق ممكناتها.
  • هناك العديد من الدراسات التي تُشير إلى القدرة التنبّؤية لنموذج السمات الخمس الكبرى، على الربط بين نسب محددة على كلّ سمة، وبين احتمالية أو الإصابة باضطراب نفسي مُعيّن، لكنّ هذه الدراسات ما زالت قيد البحث حاليًا وقد يصبح هذا النموذج في المستقبل أداة تشخيصية دقيقة.
  • المقال لا يعتقد أبدًا أنّ الاضطرابات النفسية يمكن علاجها فقط بتغيير السلوكيات والأفكار والمعتقدات، وإنّما يؤكّد على أنّ الكثير من الاضطرابات النفسية، بحاجة لتدخّل الطبيب لوصف الأدوية تنظيم جلسات للعلاج النفسي.


المَراجع

  • Bleidorn, W., Hopwood, C. J., Ackerman, R. A., Witt, E. A., Kandler, C., Riemann, R., … Donnellan, M. B. (2019). The healthy personality from a basic trait perspective. Journal of Personality and Social Psychology.
  • Randomized Trial of Behavioral Activation, Cognitive Therapy, and Antidepressant Medication in the Acute Treatment of Adults With Major Depression (2006)
  • Christopher R. Martell, Sona Dimidjian Behavioral Activation for Depression A Clinician’s Guide (2013)
  • Exercise for the Treatment of Depression and Anxiety (2011) Peter J. Carek, Sarah E Laibstain, Stephen M Carek
  • Allen, M. S., & Walter, E. E. (2018). Linking big five personality traits to sexuality and sexual health: A meta-analytic review. Psychological Bulletin, 144(10), 1081–1110
  • Larsen, Randy J., et al. Personality Psychology: Domains of Knowledge about Human Nature. McGraw-Hill Higher Education, 2017.
  • Colling G. DeYoung, Between Facets and Domains: 10 Aspects of the Big Five )(2007)
  • Paunonen, S. V., & Ashton, M. C. (2001). Big Five factors and facets and the prediction of behavior.