
ابتسامةُ الوَردِ المُتعَب (نَثيرة)
.
مَن يُنكرُ النهرَ المُسمّم؟
ويُدافعُ عن تدفّقِ النَهر
ويرفضُ النقاشَ عن تعفّن الأيّام
ويبني طوبًا على نافذةِ السجنِ الكبير
* * *
أنا لا أريدُ أن أُديرَ ظَهري
وهذه المرّة تحديدًا.. سألتفتُ إلى الوراء
وأحتضنُ الطفلةَ المُشرّدة
وأقسمُ لها أنّ هذا كلّه لا ينبغي أن يكون
ولكنّها الأممُ الحزينة
ومساراتُ التاريخِ المُحرّفة
والنضالُ المَوؤودُ للثائرين
* * *
تورطتِ أنتِ مثلنا
ومَن عَبرَ الثُقبَ الدوديّ هاربًا
لم يقطع الزمانَ ولا المكان
وتشظّى كغُبار الكون بانتظارِ زمانٍ لا يجيء
* * *
أُشرِبنا البُؤسَ المُعتّق بالكأس المُقدّس
ولكن.. مَن قالَ أنّ سرّ المقدّس حُلُمٌ جَميلُ؟
* * *
وأشفقتُ على التّاريخ
يُؤذي نَفسَهُ
أرادَ الخلاصَ صادقًا
فأزهَقت رُوحَهُ
براءةُ النصر المُؤزّر
* * *
سأمنحُ الطفل المُتسوّلَ مالَه
إنّكَ وإن أخطأتَ العنوان
وصرتَ متورّطًا مثليَ بهذا الزمان
وألبستك نوائبُ الدّهر عباءَة السؤال
فإنّي لستُ بخاذلِك.. وسأقوم بالتمثيل
وحفاظًا على النظام الكونيّ للأشياء
سأتظاهر معك بأنّ عالَمنا مَفهومٌ وتنظمه الأدوار
* * *
وأهَبُ عمري لمَن يُعيد للمتسوّل إلحاحه
فالطيور تطير، والماء يسيل
وأنتَ يا صاحبي متسوّلٌ
فلِمَ توقّفت عن السؤال؟
* * *
أوقفني
وجرّدني من التلهّف المُزيّف للعيش المُكرّر
ودعني أطردكَ بابتذالٍ ووقاحةٍ
ولكن لا تدع طقسَ التسوّل
واحرُس معيَ النظامَ الكونيّ للأشياء
فالكَونُ يحتاجُنا
لنُكمِل مشهدَ التمثيل ونُثبت للحضورِ الكرام
أنّ العالَم ما يزالُ على ما يُرَام
* * *
وأمّا أنا فأحتاجُكَ كي أتذكّر المَنسيّ
ومن أخرسَ الركامُ صوتَ دعائه
وأحتاجك كي تذكّرني
بالعالِقين تحت الركام
تنفّسوا خيطَ الهواء
وغادروا بانتظارِ إنقاذهم
والرّوحُ يقتُلها تطاولُ الأزمانِ
* * *
وتحطّمت قواربُ الغوثِ
على شواطئِ الخُذلان
وتزاحمت غيوم العجز ولم تمطر
حتّى الجنونَ ولا خِنجرَ سليمان
* * *
ولعلّك نقشتَ في خبايا الرّوح مأساة جلبِ الماء
والوزنُ يفوقُ قدرةَ أجنحة الملائكة
والرّوح المسكينةُ تتقوّس حين تنحني الورود
ورأيتُ مثلكَ معنى الوَرد حين يبتسمُ مُتعَبًا
يُفجّر حين يضحكُ ينابيع الأمومةِ
تجيء بالماءِ أخوتها كعائدٍ من الحربِ مُنتصرًا
وبلحظةٍ، يقطفها العدو توحّشًا
ويقول البعض بَل مُخلِّصًا!
يُنقذها من البقاء بالتُرابِ المُسرطَنِ
يُريحها من أبديةِ العيش المُمزّق
* * *
وأقولُ بل مرور الوَردِ ضروريٌّ.. رُبّما
إثباتٌ منطقيّ نحتاجُه
أنّ الوجودَ كلّه مَحضُ سرابٍ
وأنّ مرورها على هامشِ التاريخ
كان ضروريّا لأجلنا
من أجل خدشنا بالضحكة الصّافية
وتذكيرنا بالعهد السرمديّ للوَردِ في الّلوحِ المحفوظ
* * *
أمّا أنا وأنتَ يا صاحبي.. لا بُدّ أن نُمثّل
وفاءً للنفوس التي حَضَرَت مَجالِسَنا
وتفنيدًا لدعاوى المُحبَطين من عبثِ الاستمرار
لا تغادر مسرحك!
واشدُد علي يديَ وأزعج المارّة
وانضمّ معنا لخزي الستائر من رداءةِ التمثيل
وتواطأ معي كي يتفشّى دخانُ الاستمرارِ
ونُعيد لنهارنا الزيفَ الجميل
* * *
وسآخذ رُكنًا من الطريق الذي تفترش
وآتيك بحكايا الفتيةِ في سعيهم
ونُخمّن أعمارهم
ومعنى الدمِ الحارّ حين يسفكه العدو
فيختلط بالطحين
* * *
ونتأمّلُ الدعوات المُعلّقة في سقف السماء
ونرمّم الصلواتِ التي تكسّرت على حناجر اليأس
وسألحّنُ معكَ أغنيةً
مِن الهذيانِ المُحشرَج
لأنّ معاتبةَ الأقدارِ لم ترسم لوحةً
علّنا بالفنّ نُعتِقُ الصِّراخَ المُؤجّل
* * *
يُخيّل إليّ أنّنا أطلنا تأمّل البحرِ..
فلَم نُدرِك أنّ زُرقة البحر.. لم تكن تعني شيئًا
سوى انقطاعَ الهواءِ
وفهمنا جيّدًا.. أنّ ما كان مخرَجُنا يومًا
بات اليومَ مأتَمُنا الكبير
وجدارًا مع العدو ضدّنا
بخِلاف حكايا الأجداد وأساطير الهاربين
* * *
أحبّ أن أعرف اسمكَ
صدّقني! فالحقّ والحقّ أقول
ولا تصدّق ما يقوله لكَ النومُ على الرصيف
عن توثّن الأُمَمِ التي تعبدُ النسيان
وأعرفُ أنّك لن تُصدّقني وستبقى متوجّسًا
لأنّ الرصيفَ يعرفُ الهامشَ جيّدًا
وأعطاكَ سرًّا.. أغنيةََ الأسامي الضائعة
تسلّلت ليلًا من الألمِ المُهتَرئ
والقلوب المثقوبة بفَردانيّتها
أصحابها ناموا
واستيقظوا يحفظون أسماءَ القاتلين
* * *
أضاعوا أساميّ الوَردِ ولَونِه
قد قايضوا الفِعلَ وممكناته بالوَعدِ الرخيصِ
بألّا يعتادوا نهر الدماء
وبألّا يُجنّوا
وأنّهم سيستمرّوا أسوياء
وبأنّهم سيُؤدّوا كلّ يَومٍ
غسيل الخيبةِ
بإنتاجيةٍ تعانق قُباب السماء
* * *
أنا مثلكَ شرّدني وحشُ الإبادة
وصرتُ لاجئًا..
على جدار الأماني وأبوابِ الدّعاء
أقتات حبّ الذين أعرفهم وصِدق الأصدقاء
وأستدعي ابتسامةَ الوردِ المُتعبِ
وتسلية الآيِّ في وَجه الشقاء
* * *
وأحملُ سيفًا مِن ضبابِ الأساطير القديمةِ
أقاتلُ الحزنَ العميقَ
وأتفلُ في وجه الشاربين
فالنّهرُ مُسمّم وإن تدّفق!
النهرُ يا حمقى مُسمّم
وإن تدّفق!
* * *
تُعاندُ بوجودكَ اليوميّ رغبة قاتلك!
وتدوس بأقدامك الطاهراتِ التقنياتِ الفائقاتِ
وفارق القوى!
وتجلسُ فوق الرُكامِ ساخرًا
بِتّ خبيرًا بكذب الساسةِ
وعلمتَ مِثلي أنّ أصدقُ ما في الوجودِ..
جراحة الجُوعِ على وُجوه المُتعَبين
* * *
تكفرُ بالكرامات البائدات تسخّطًا
وتبحثُ بين الحُطام عن يقين الخبز
وترسمُ على الخيام جُدرانًا
من نُبوءات الدفء
والبردُ بردانٌ: بردٌ قاتلٌ
وبردُ الفحولة المنسيّة عندَ أشباه الرجال
* * *
ورضيتُ بالظلام تصبّرًا
ورأيتُ النّاس لا تنامُ
ولكنّها لم تَعُد
تترقّب الفجر البعيدَ
لأنّ الشمس ممنوعةٌ
ذَكَرَهُ تقريرُ السماءِ السابعة
والانفراجاتُ تأتي عندما
يُخلي الرجالُ إخلادَهم المَرَضيّ للأرض
وحين يقذفون أنفسهم رِماحًا شوقًا للسَماء
* * *
مَن يَكفُلُ اليُتمَ الجَماعيّ هذا كلّه؟
بالجُملةِ يُصاغُ المَوتُ
وكُنّا عهدناه يأتي لنشهده
على مَن سوانا ونرقُبه، ولكن..
مَن يشهدُ المَوتَ؟ حين يخطفنا جميعًا
ومن يُقيم مآتم الراحلين
حين لا يبقى أحد!
* * *
يجهلُ الرضّعُ ثدي الأمومةِ خالصًا
ما ذاقَوا الحليبَ ولا خبروا أمانَه
ولكنّ عزاءَهم بأنّهم
يُخبّؤون رائحة الدماء
يُودعونها قبورَهم ويحفظونها جيّدًا
وحين يُبعَثون سيستخدمونها دليلَهم
وسيبحثُ كلّ طفلٍ عن أحضانه
ويُهدّئ رَوعه
بما تبقّى من الأبد
* * *
درسُ الفلاسفةِ حول الحياةِ.. تَبدَلَ
يُخطئ الزمانَ أرواحٌ مشرّدةٌ
باتت تماثيلًا بعدما تصلّبت.. تراها
تطرق بابَ الجِوار في كلّ لحظةٍ
بلا جوابٍ وبلا أملٍ وبلا سأمٍ
أحبّوا فكرةَ الطَرقِ لأنّها
قد تُوحي لهم وجودَ أحد!
* * *
رحلوا وهُم يظنّون
أنّ تيهَ الأحلامِ وعجزَ الآخرين ثابتٌ
ومتغيّرُ الأكوان تنوّعُ الأشلاءِ
وتصيرُ الحقيقةُ وحدَها
خيالٌ مبتورٌ وابتسامةُ وَردةٍ
والذنبُ ليس خَبيئةُ النّفسِ وإنّما
ذنبُ المكانِ وخيبةُ الجيرانِ
بيروت، 18 أيّار 2025
الطفلة الشهيدة شهد الصوّاف
أطفال من غزّة ذهبوا لجلب الطحين لأُسَرهم فقام العدو الإسرائيلي بإطلاق الرصاص عليهم ليرتقوا مُستشهدين