هشاشة الإنسان وحاجته لأن يُكتَشَف
يحتاج كلّ إنسان مِنّا قدر من التقدير والاهتمام والمٌلاحظة..
ويُولَد الإنسان ويدخل حيّز الوجود..
وفي بادئ الأمر لا يُمايز بين وجوده المستقلّ وبين الوجود من حوله
ثُمّ يُدرِك أنّه له ذاتًا مُستقلّة، وصورة خاصّة به (صوتًا هو يُصدره وحركةً هو يفعلها، وكلامًا ينبع من جوفه..)
يبحث الإنسان منذ وعيه الأوّل عن اعتراف بوجوده، فأن أكون موجودًا يعني أن تلحظني وأن تنتبه لوجودي.
ولذلك يبدأ الطفل الصغير بالتدمير والصراخ والتعدّي بالقول والفعل، متى ما شعر بأنّ الآخر يُهمّشه أو لا يلحظه
معاركنا في أصلها.. معارك تقرير وجود
معارك تفرض على الآخر الاعتراف بنا…
أن أُوجَد يعني أن أحجز مساحة من الوجود،
مساحة لا يُمكن تهميشها ولا ينبغي تجاهلها
وحينما يُهمّش وجودنا أو يتمّ تجاهلنا، فمن شأن ذلك أن يُولّد فينا نزعات عدوانية ورغبات تدميرية تجاه الآخر أو تجاه الذات، بأنّ نسحق إحدى الوجودين.
لتثبت إحدى الحقيقتين:
– أنا موجود وهو لا يعترف بي، فأمسح وجوده
– أنا غير موجود، وأوهم نفسي بالوجود، فأمسح وجودي
ما الذي يجعل، اختراق الدور أمر مستّفز للغاية، سيارة تدخل أمامك بدون أي اعتبار، رجل يخترق دورك بدون إذنك.. (إنّه شعورك الداخليّ بأنّك لستَ شَفّافًا، وأنّ لكَ ذات تشغل حيّز في المكان..)
هذا من جهة تقرير الوجود، أو الاعتراف به، وهو حقّ وجوديّ بدهيّ، لكل موجود، أن يعترف الآخر بوجودي ويحترمه.
ولذا تكتسب جميع الكائنات قدر متساوٍ من الاحترام والتقدير، لأنّنا نُظراء في الوجود… (أو كما يقول العارفون، أُجلُّ واحترمُ جميع الخَلق، إجلالًا لخالِقهم..) فالآخر نظيرك في الوجود، وهو ما يماثل ما قاله عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه:
الناس صِنفان: إمّا أخٌ لكَ في الدين أو نظيرُكَ في الخَلق !
أمّا من حيث التقدير، فكلّ منّا يشعر بأنّ في داخل شخص عظيم، وكلّ شخص يبحث عن الآخر الذي سيكتشف عظمته، كلّ شخص يريد أن يُكتشَف وأن يُقدّر ما في داخله.
كلّ شخص يبحث عن نفسه، وكلّ نفس تبحث عمّن يكتشفها. هذا ضروريّ، لكيّ لا نكونَ هباءً ولا نكون وَهمًا مُتخيّلًا أو حضورًا مُتوهّمًا
ولا يقتصر الأمر على اكتشافنا الماديّ فحسب، فنحنُ نشعر في قرارة أنفسنا أنّنا نستحقّ أكثر من اعتراف بوجودنا، نستحقّ أن تتمّ مُلاحظاتنا، وأن يُهتمّ بأمرِنا، وأن يُؤنِسَ وجودَنا، وجود آخر نُحبّه ويُحبّنا…
وعلى قدر الاهتمام، نشعر بأنّنا موجودون
ولذا كان الحُبّ.. اهتمام،
ولذا نحنُ نفنى في الآخر حينما نعشق معترفين بذاته ومُنكرين لذاتنا، ومتوحّدين معه، كـ ذاتٍ وروحٍ واحدة.
كلّ اهتمام هو إطالة وتكثيف لشعورنا بأنّنا نستحقّ الوجود..
قال.. لا تحقرنّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاكَ بوجهٍ طليق
ابتسامة رقيقة، كلمة لطيفة، ترحيب صادق، لمسة حانية، نظرة دافئة.. تضاعف تمسّكنا بالوجود..
إنّكم لَن تسعوا الناس بأموالِكم، ولكن يَسَعُهم منكم: بسطُ الوجه.. وحُسن الخُلق
ستمضي هذه الأيام، ثُمّ نمضي نحن ونرحل.. مَن يعلم؟
كُلّنا غرباء في أرض غريبة تُدعى الحياة
إذا لم نُؤنِس وجود بعضنا،
ولَم نربِت على أكتاف بعضنا..
إذا خذلنا مَن أحببنا، وتجاهلنا مَن أحبّنا..
إذا آذينا أرواحًا، وأتلفنا أجسادًا..
أيّ احترام لذواتنا يبقى، حينما يحين الرحيل؟
كان يُدرِك أنّ الأشياء تزول
وأنّ العُمر يمضي
وأنّ الكون ينهار
كان يعلمُ أنّ العالَم مأزوم
وأنّ الرِفاق مُثقَلون
وأنّهم في داخلهم مَحزونون
فأخبرهم: يا رفاق، إن أردنا العبور.. فـ بالحُب
إمّا أن تقبلَ العالَم أو ترفضه.. القبول به، أو رفضه..
حالتان للروح.. إمّا أن تسكن بالرضا أو تقلق بالسخط
والحياة أقصر من أن نقضيها مُتصارعين بسبب سوء فهمٍ بسيط
ما الذي نملكه أكثر مِن أن نُهوِّن على بَعضِنا الطريق..