حُبّ الظُهور والحاجة للانتباه
رَوَى الإمام ابن الجوزي حادثة وقعت أثناء الحج في زمانه ؛ إذ بينما الحُجّاج يَطوفون بالكعبة ويغرفون الماء من بئر زمزم قام أعرابي فحسر عن ثوبه ، ثم بال (أخذَ يتبوّل) في البئر والناس ينظرون ، فما كان من الحُجَّاج إلّا أنْ انهالوا عليه بالضرب حتى كاد يموت ، وخلّصه الحَرَسُ منهم ، وجاؤوا به إلى والي مكة ،
– سألهُ والي مكّة : قبّحك الله ، ما حَمَلَك على فِعل هذا ؟
– ردّ الأعرابي : حتى يعرفني الناس ، يقولون : هذا فلان الذي بالَ في بئر زمزم ، أردتُ أن يُخلّد اسمي ولو باللعن .
يُحاوِل المُهمّش بالعادة إثبات وجوده وتحقيق ذاته من خِلال آليتين رئيسييتين يتفرّع منها باقي أشكال لفت الإنتباه :
1. [الشُذوذ]
2. [التطرُّف]
ويبدأ إريك هوفر كتابه “المؤمن الصادق” – وهو كتاب عن طبيعة تشكّل الحركات الجماهيرية ، والأسباب وراء تشكّل الحركات المُتطرفة – ، بمقولة للفيلسوف الفرنسي بليز باسكال :
“يودُّ الإنسان أنْ يكونَ عظيمًا و يرى بأنّه صغير ، و يودُّ أنْ يكونَ سعيدًا و يرى أنّه شقيّ ، و يودُّ أن يكونَ مَوْضِعَ حُبٍ و تقدير ويرى أنّ أخطاءَهُ لا تجلبُ سوى كراهيتهم .
إنّ الحرج الذي يقع فيه نتيجة هذا التناقض يُولِّد لديه أدنى النزعات الإجرامية التي يمكن تخيُّلها ، ذلك أنّه يبدأ في كُره الحقيقة التي تُدينه وتُريه عيوبه”
انظر من حولِك ، شاهد بُوست مقرف، تعليق مستفزّ ، ضجيج للفت الإنتباه ، تقيُّؤات فِكرية ، وسباحة عكس التيار هدفها لفت الانتباه ، اكتُب كومنت طويل للرد ، ثم امحه ، وقُل لنفسِك :
لستَ بحاجة لإثبات شيء ، دعه … يُريد أن يُخلِّد اسمه ولو باللعن !
إنّ المَرء وعلى حد تعبير ديستويفسكي على لسان أحد الشخصيات يُمكن أن يقتَرِف جرائم فظيعة ومُقرِفَة ، لا لسبب غير [حُب الظُهور]
وبهذا يُمكننا أن نفهم كثير من محاولات التهريج ، التدمير ، إثارة الفوضى ، بل وحتى تبنّي نظريات علمية ، من أجل لفت انتباه الآخرين وتمرير أمراض الداخِل وأرق الليل الذي يُعانيه المُهمَّش إلى الآخرين .
إنّها وسيلتنا لكي نقول للآخرين : انظروا ، أنا هُنا !
تحقيق الذات قد يكون بُوست مثل هذا ، وبالتالي نحنُ أمام مَرضْ لا شفاء منه ، حتى بتشخيصه..
ولا نملِك أمام دوامة مثل هذه إلّا بأن ندعو الله بأن يُحررنا من أوثان الخارج
اللهم أخْلِصنا إليك ، وحررنا من أوهامنا ، و خارِجنا ، وعبادة اللايكات أو الكومنتات …
اللهم و لا تجعلنا مُستعبَدين لذواتنا أو أصنامنا أو وظائِفنا أو عاداتنا أو مُعلّقين بالخارِج … ولفت انتباههم
و حرِّرنا ، سُبحَانك ، فعبادَتُكَ مُطلَقُ التحرير ،،